تُعد المباهلة في الإسلام حدثًا عظيمًا وذو دلالة عميقة، وهي تعني الملاعنة والدعاء بالهلاك على الكاذب من الطرفين المتنازعين في أمر ديني بعد إقامة الحجة وعدم الوصول إلى اتفاق. وهي تُعدّ من أقصى درجات التحدي في إثبات الحق، حيث يُفوض الطرفان أمر الحكم إلى الله سبحانه وتعالى ليكشف الكاذب منهما. وقد وردت قصة المباهلة في القرآن الكريم كحادثة فريدة تؤكد على صدق الرسالة النبوية.
وردت آية المباهلة في سورة آل عمران، وتحديدًا في الآية رقم 61. هذه الآية الكريمة جاءت في سياق حوار النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع وفد نصارى نجران الذين قدموا للمجادلة في أمر السيد المسيح عيسى عليه السلام، وإنكار نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
الآية الكريمة هي:
﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: 61].
نزلت هذه الآية الكريمة بعد أن جاء وفد نصارى نجران إلى المدينة المنورة ليجادلوا النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى عليه السلام، ويُصروا على أنه ابن الله، على الرغم من الأدلة والبراهين التي قدمها لهم النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم حول حقيقة عيسى عليه السلام وأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
عندما استمروا في الجدال والعناد، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يدعوهم إلى المباهلة. والمباهلة هنا كانت تحديًا إلهيًا يكشف صدق النبي صلى الله عليه وسلم وكذب من يعارضه. فلو كانوا على الحق، لما خافوا من المباهلة، ولكنهم أيقنوا أنهم على باطل، وأن لعنة الله ستصيب الكاذب منهم.
عندما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة، تردد وفد نجران. وبعد مشاورة فيما بينهم، قرروا عدم الإقدام على المباهلة لما رأوه من جدية النبي صلى الله عليه وسلم وثباته، وخوفًا من أن تحل عليهم لعنة الله إن كانوا كاذبين، وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق. وقد قال كبيرهم العاقب: والله لئن باهلنا لنُهلكنّ، ولن يبقى منا رجل ولا امرأة ولا صغير ولا كبير. فصالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على الجزية.
تُظهر آية المباهلة عظمة الإسلام وقوة حجته، وتُبرز ثقة النبي صلى الله عليه وسلم في الحق الذي جاء به من عند الله. كما أنها تُعدّ دليلاً على مكانة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، حيث دعاهم للمباهلة كأعز الناس وأقربهم إليه.