تتجلى في الشريعة الإسلامية سمة الرحمة والإحسان إلى كل ذي روح، وقد أولى النبي محمد صلى الله عليه وسلم اهتمامًا خاصًا بالحيوانات، موجهًا أمته إلى الرفق بها والعناية بها. ومن بين هذه الحيوانات التي حظيت بذكر خاص في حديث الرسول عن القطط، لما لها من قرب ومعايشة للإنسان في بيوته. فما هي هذه الأحاديث وماذا نستنبط منها حول مكانة القطط في الإسلام؟
إن البحث في حديث الرسول عن القطط يكشف لنا عن نظرة الإسلام السمحة لهذه المخلوقات اللطيفة. فبدلًا من اعتبارها نجسة أو مؤذية كما قد يُنظر إليها في بعض الثقافات، نجد في السنة النبوية ما يدل على طهارتها واستحباب الإحسان إليها. هذه الأحاديث تعكس قيمة عظيمة في ديننا، وهي قيمة الرحمة بالضعيف والمخلوق الذي يعيش بيننا.
حديث طهارة سؤر الهرة: وهو من أشهر الأحاديث التي تتناول القطط، وقد روي بألفاظ مختلفة وبطرق متعددة. من ذلك ما روي عن كبشة بنت كعب بن مالك رضي الله عنهما: أنَّ أبا قتادةَ دخلَ فسَكبت لَهُ وضوءًا فجاءت هرَّةٌ فشرِبَت منْهُ فأصغى لَها الإناءَ حتَّى شرِبَت قالَت كبشةُ فَرآني أنظرُ إليْهِ فقالَ أتَعجبينَ يا ابنةَ أخي فقُلتُ نعَم فقالَ إنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ إنَّها ليسَت بنجَسٍ إنَّها منَ الطَّوَّافينَ عليْكم والطَّوَّافاتِ.
الدلالة: هذا الحديث يدل بوضوح على طهارة لعاب القطط وجواز استعمال الماء الذي شربت منه. وقد علل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأنها من الطوافين علينا، أي أنها تكثر الدخول والخروج في البيوت ويصعب التحرز منها، فلو كانت نجسة لحرج الناس في معاشرتها.
حديث أنس بن مالك في طهارة الهرة: روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله: خرج النبيُّ ﷺ إلى أرضٍ بالمدينة يُقال لها بُطْحان، فقال: يا أنسُ اسْكُبْ لي وَضوءًا، فسكبتُ له، فلمَّا قضى حاجتَه أقبل إلى الإناء وقد أتى هِرٌّ فوَلَغَ في الإناءِ، فوَقَفَ النبيُّ ﷺ وَقْفَةً حتى شَرِبَ الهِرُّ، ثمَّ توضَّأ، فذكرتُ للنبيِّ ﷺ أمرَ الهِرِّ، فقال: يا أنسُ، إنَّ الهِرَّ من متاعِ البيتِ، لن يُقَذِّرَ شيئًا ولن يُنَجِّسَه.
الدلالة: هذا الحديث يؤكد على طهارة القطط وأنها ليست نجسة، بل هي من الحيوانات التي تعيش في البيوت ولا يترتب على ملامستها أو شربها النجاسة. وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها من متاع البيت للدلالة على ألفة الناس بها وقربها منهم.
حديث عذاب المرأة في الهرة: روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا،2 إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ.3
الدلالة: هذا الحديث يحذر بشدة من إيذاء الحيوانات وتعذيبها، ولو كانت قطة. ويبين أن منع الطعام والشراب عن الحيوان وحبسه حتى الموت سبب لدخول النار. وهذا يدل على وجوب الرحمة بالحيوانات والعناية بها وعدم إهمالها.
جواز اقتناء القطط وتربيتها: بناءً على طهارتها وعدم نجاستها، يجوز للمسلمين اقتناء القطط في بيوتهم وتربيتها والعناية بها.
استحباب الإحسان إلى القطط: تدعو الأحاديث إلى الرفق بالقطط وإطعامها وسقيها وعدم إيذائها بأي شكل من الأشكال.
التحذير من تعذيب القطط: يبين الحديث الشديد الوعيد لمن يعذب القطط أو يهملها حتى تموت، مما يدل على عظم هذا الذنب.
مكانة القطط في البيوت: تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم للقطط بالطوافين والطوافات وبأنها من متاع البيت يدل على قربها من الإنسان وألفتها له في محيط المنزل.
إن حديث الرسول عن القطط يرسم لنا صورة واضحة عن مكانة هذه الحيوانات في الإسلام. فهي ليست نجسة، ويجوز اقتناؤها والإحسان إليها. بل إن تعذيبها أو إهمالها يعد من الذنوب العظيمة. هذه الأحاديث تجسد الرحمة الشاملة التي جاء بها الإسلام، والتي تشمل الإنسان والحيوان على حد سواء، وتؤكد على أهمية الرفق بكل مخلوق حي. فعلى المسلم أن يقتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع هذه المخلوقات اللطيفة التي تعيش بيننا.