فضل سورة الكهف للرزق هو موضوع يتردد في أذهان الكثيرين، لارتباط الرزق بحياة الإنسان وسعيه الدائم لتحصيله وتوسيعه. وسورة الكهف، بما تحمله من بركات وأسرار، قد يتساءل البعض عن تأثيرها على جلب الرزق وتيسيره. إن القرآن الكريم كله بركة وهدى وشفاء، وكل سورة وآية فيه تحمل من الفضل والخير ما لا يُحصى. ولكن، هل ورد نص خاص أو دليل شرعي قاطع يدل على أن قراءة سورة الكهف تحديدًا تجلب الرزق أو تزيده؟
إن البحث عن فضل سورة الكهف للرزق يستدعي منا التمييز بين الفضل العام للقرآن الكريم وفضل سورة الكهف الخاص الوارد في السنة النبوية، وبين الاعتقادات الشائعة التي قد لا تستند إلى دليل شرعي صحيح. فبينما يؤكد الإسلام على أهمية الأخذ بالأسباب والسعي في طلب الرزق، فإنه يوجه المؤمن إلى التوكل على الله واللجوء إليه في كل أموره.
كما ذكرنا في المقال السابق، وردت أحاديث صحيحة وحسنة تدل على فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها، وأنها تضيء لقارئها نورًا بين الجمعتين ونورًا يوم القيامة، ويُرجى له المغفرة، وفيها عصمة من فتنة الدجال. هذه الفضائل عظيمة وأساسية في حياة المسلم الروحية والدينية.
بالبحث في الأحاديث النبوية الصحيحة والحسنة، لا نجد نصًا صريحًا يذكر أن قراءة سورة الكهف بشكل خاص تجلب الرزق أو تزيده بشكل مباشر. الفضائل الواردة في السنة تتعلق بالنور والهداية والمغفرة والعصمة من الفتن.
الرزق في الإسلام مفهوم واسع وشامل، لا يقتصر على المال وحده، بل يشمل الصحة والعافية، والذرية الصالحة، والعلم النافع، والراحة النفسية، والتوفيق في الأمور، وغير ذلك من النعم التي ينعم الله بها على عباده. وتحصيل الرزق يتطلب من المسلم الأخذ بالأسباب والسعي والعمل بجد وإخلاص، مع التوكل على الله والثقة به.
على الرغم من عدم وجود نص خاص بفضل سورة الكهف للرزق بشكل مباشر، إلا أن قراءة القرآن الكريم عمومًا، وسورة الكهف خصوصًا بما تحتويه من عظات وعبر، يمكن أن تكون سببًا في جلب البركة والخير في حياة المسلم ورزقه بطرق غير مباشرة:
زيادة الإيمان والتقوى: تدبر قصص أصحاب الكهف وثباتهم على الإيمان، وقصة صاحب الجنتين وعاقبة الغرور، وقصة موسى والخضر وأهمية العلم والتواضع، وقصة ذي القرنين والعدل والإحسان، كل ذلك يزيد من إيمان المسلم وتقواه، والله تعالى وعد المتقين بالرزق والبركة: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق: 2-3).
الاستعانة بالله والتوكل عليه: قراءة القرآن بتدبر تعلم المسلم اللجوء إلى الله في كل أحواله والتوكل عليه في طلب الرزق وتيسيره، وهذا من أعظم أسباب جلب الرزق والبركة.
الابتعاد عن الفتن والمعاصي: سورة الكهف تحذر من الفتن، وقراءتها بتمعن قد تعين المسلم على تجنب الوقوع في المعاصي والذنوب التي قد تكون سببًا في ضيق الرزق ونزع البركة.
الراحة النفسية والسكينة: نور سورة الكهف الذي يضيء قلب القارئ قد يجلب له الراحة النفسية والسكينة والطمأنينة، وهذه من أعظم أسباب البركة في الحياة والرزق. فالقلب المطمئن أكثر قدرة على السعي والعمل بإيجابية.
ينبغي للمسلم أن يجمع بين الأخذ بالأسباب المشروعة في طلب الرزق (كالعمل والتجارة وغيرها) وبين التوجه إلى الله بالعبادات والطاعات، ومنها قراءة القرآن الكريم وسورة الكهف. فلا يقتصر على القراءة ويتكاسل عن العمل، ولا ينشغل بالدنيا وينسى الآخرة والعبادة.
لا يوجد دليل شرعي خاص يدل على أن قراءة سورة الكهف تجلب الرزق بشكل مباشر. ومع ذلك، فإن قراءة القرآن عمومًا وسورة الكهف خصوصًا بما فيها من هدايات وعبر، يمكن أن تكون سببًا في زيادة الإيمان والتقوى والتوكل على الله والابتعاد عن الفتن، وكل هذه الأمور من أسباب البركة والخير في الرزق وتيسيره. لذا، يستحب للمسلم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة اتباعًا للسنة النبوية، مع الأخذ بالأسباب المشروعة في طلب الرزق والتوكل على الله في كل حال. فالرزق بيد الله وحده، وهو الرازق الكريم.