الاثنين، ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ
الاثنين، ١٠ نوفمبر ٢٠٢٥
facebookinstagramtwitter

سؤال وجواب

246

ما سبب نزول سورة الرحمن ؟

سورة الرحمن، هذه السورة العظيمة التي تُعرف بـ عروس القرآن، تميزت بأسلوبها الفريد وتكرار آية فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ إحدى وثلاثين مرة. وعلى الرغم من عدم وجود سبب نزول محدد بحدوث موقف معين لكل آيات السورة، إلا أن هناك سياقات تاريخية وأحداثًا معينة يُرجح أنها كانت وراء نزولها، خاصةً ما يتعلق باسم الرحمن وما يحمله من دلالات.

سبب نزول سورة الرحمن

الخلاف حول مكان وزمان النزول:

قبل الخوض في أسباب النزول، من المهم الإشارة إلى أن العلماء اختلفوا في تحديد ما إذا كانت سورة الرحمن مكية أم مدنية. الجمهور الأعظم من الصحابة والتابعين يرون أنها مكية، أي أنها نزلت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة. وهذا يتناسب مع طبيعة السور المكية التي تركز على التوحيد، وإثبات قدرة الله، وذكر الجنة والنار، وخطاب المشركين. وهناك روايات أقل تقول بأنها مدنية.

السياقات المحتملة لسبب النزول:

بالنظر إلى طبيعة السورة ومحورها الأساسي الذي يتمحور حول إظهار نعم الله ورحمته وآياته في الكون، يمكن استخلاص عدة سياقات وأسباب محتملة لنزولها:

1. تحدي المشركين لاسم الرحمن:

من أقوى الأقوال في سبب نزول سورة الرحمن هو ردٌ على استنكار المشركين في مكة لاسم الرحمن. فقد كانوا لا يعرفون هذا الاسم لله تعالى، أو أنهم كانوا يتنكرون له، ويعتبرونه اسمًا لإله آخر غير الله. ويتجلى هذا الاستنكار في مواقف متعددة:

لذلك، جاءت السورة مستهلةً باسم الرحمن مباشرةً، الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ، وكأنها تجيبهم بصريح العبارة: هذا هو الرحمن الذي تنكرونه، هو الذي علم القرآن، وهو خالق كل شيء، وهو مصدر كل نعمة.

2. الرد على قول المشركين: إنما يعلمه بشر:

من الأقوال الأخرى في سبب النزول، أنها جاءت ردًا على قول المشركين في مكة بأن النبي صلى الله عليه وسلم يتلقى القرآن من بشر، وليس من الله سبحانه وتعالى. يقول الله تعالى في سورة النحل (الآية 103) على لسانهم: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ.

في هذا السياق، تأتي سورة الرحمن لتدحض هذا الادعاء وتؤكد على أن مصدر القرآن هو الرحمن جل وعلا، الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ. هذا النفي القاطع لادعائهم يؤكد على أن القرآن كلام الله المنزل من لدنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو رسول أمين يبلغ ما يوحى إليه.

3. إظهار عظمة الله ونعمه للجن والإنس:

على الرغم من أن السياقات السابقة ترتبط بأحداث محددة، إلا أن الهدف الأعم لسورة الرحمن يتجاوز الرد على مواقف معينة. فالهدف الأساسي للسورة هو إبراز عظمة الله سبحانه وتعالى ورحمته اللامتناهية، وتعداد نعمه الكثيرة على الجن والإنس.

التكرار البديع لآية فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (فبأي نعم ربكما تكذبان؟) 31 مرة في السورة، يهدف إلى:

سورة الرحمن: معجزة في الأسلوب والمحتوى:

بصرف النظر عن الأسباب التفصيلية لنزولها، فإن سورة الرحمن تعد إعجازًا بيانيًا وعلميًا ونفسيًا:

إن سورة الرحمن، بسياقات نزولها المتعددة، وبأسلوبها البديع، ومحتواها الغني، تبقى تذكرة دائمة للإنسان والجن بعظمة الله المطلقة، ورحمته الواسعة، ونعمه التي لا تُحصى. إنها دعوة للتأمل، والشكر، والتسليم لقدرة الخالق، والابتعاد عن الجحود والإنكار. فما أجدرنا أن نتدبر آياتها، وأن نستشعر عظمة الرحمن في كل لمحة من لمحات الكون وفي كل نفس من أنفاس الحياة، وأن نكون من الشاكرين الذين لا يكذبون بأيٍ من آلاء ربهم.