فضل سورة الكهف يوم الجمعة هو موضوع جليل القدر، يتجلى في الأحاديث النبوية الشريفة والآثار السلفية، مشيرًا إلى عظيم المنزلة التي خصّ بها الله تعالى هذه السورة المباركة وهذا اليوم الفضيل. يوم الجمعة، سيد الأيام وأشرفها، يحمل في طياته بركات ورحمات تتنزل على المؤمنين، وسورة الكهف، بما تحويه من قصص وعبر وهدايات، تضفي على هذا اليوم نورًا خاصًا وسكينة عميقة. إنها رحلة روحية تأخذنا عبر أزمنة مختلفة، نستلهم منها الثبات على الحق في وجه الفتن، والتوكل على الله في مواجهة التحديات، والتذكير بعظمة الخالق وقدرته التي لا يحيط بها الوصف.
في خضم هذه الحياة المليئة بالملهيات والمغريات، تأتي سنة قراءة سورة الكهف يوم الجمعة لتكون بمثابة منارة تضيء لنا الطريق، وتحذرنا من الانجراف في متاهات الدنيا وفتنها المتلاحقة. إنها دعوة للتأمل في قصص فتية آمنوا بربهم فزادهم هدى، وفي قصة صاحب الجنتين الذي اغتر بماله فكانت عاقبة أمره خسارة وندامة، وفي قصة موسى عليه السلام ورحلته المباركة مع العبد الصالح الذي أوتي علمًا من لدنه، وفي قصة ذي القرنين الملك الصالح الذي سخر الله له القوة والتمكين ليقيم العدل ويواجه قوى الشر. هذه القصص ليست مجرد حكايات مسلية، بل هي دروس عملية نستنبط منها العبر ونقتدي بأهل الإيمان والصلاح.
إن الارتباط بين يوم الجمعة وسورة الكهف له دلالات عميقة. فكما أن يوم الجمعة هو يوم اجتماع المسلمين وتوحيد كلمتهم على طاعة الله، فإن سورة الكهف تجمع بين ثناياها نماذج مختلفة من الاختبارات والابتلاءات التي قد تواجه المؤمن في حياته، وكيفية الثبات عليها بالإيمان واللجوء إلى الله. فقراءة هذه السورة في هذا اليوم المبارك تجدد فينا العزيمة وتقوي إيماننا وتذكرنا بأن العاقبة للمتقين.
ولقد حظيت هذه السنة النبوية الشريفة باهتمام بالغ من علماء الأمة وسلفها الصالح، الذين حرصوا على تطبيقها والحث عليها، لما لمسوا من بركتها وأثرها في نفوسهم وحياتهم. فكانوا يتدارسون آياتها ويتفكرون في معانيها ويستلهمون منها الدروس والعبر. وإن إحياء هذه السنة في يومنا هذا لهو خير زاد لنا في مواجهة تحديات العصر وفتنه المتنوعة.
في نهاية هذه المقدمة، نؤكد على عظيم فضل هذه السنة المباركة، فضل سورة الكهف يوم الجمعة، التي تضيء لنا دروبنا وتنير قلوبنا وتذكرنا بعظمة ربنا وهديه القويم.
إضاءة النور بين الجمعتين: كما ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ». وهذا النور ليس مجرد إضاءة حسية، بل هو نور في القلب والبصيرة، وهداية وتوفيق من الله تعالى في أمور الدين والدنيا.
سطوع النور يوم القيامة: وفي رواية أخرى، يسطع لقارئها نور عظيم يوم القيامة، ينير له طريقه ويكون له شاهدًا على إيمانه وعمله.
المغفرة ما بين الجمعتين: يرجى لقارئها مغفرة الذنوب والخطايا التي قد تقع بين الجمعتين، وهذا من فضل الله ورحمته الواسعة.
العصمة من فتنة الدجال: وردت آثار وأحاديث (وإن كان بعضها فيه ضعف إلا أنها يستأنس بها) تشير إلى أن قراءة سورة الكهف، وخاصة العشر الآيات الأولى أو الأخيرة منها، تعصم من فتنة الدجال، وهي من أعظم الفتن التي ستواجه الأمة قبل قيام الساعة.
يبدأ وقت قراءة سورة الكهف من ليلة الجمعة (أي من غروب شمس يوم الخميس) ويمتد إلى غروب شمس يوم الجمعة. ويستحب للمسلم أن يحرص على قراءتها في أي وقت من هذا النطاق الزمني، سواء في الليل أو في النهار. وقد ذكر بعض العلماء أن أفضل وقت لقراءتها هو بعد صلاة الفجر يوم الجمعة.
الأفضل قراءة سورة الكهف كاملة في يوم الجمعة اتباعًا للسنة النبوية. وإذا لم يتمكن المسلم من قراءتها كاملة لضيق الوقت أو لغيره من الأسباب، فليقرأ ما تيسر منها، ولا ينبغي له أن يترك فضلها بالكلية. كما يجوز الاستماع إلى قراءة السورة إذا كان لا يحسن القراءة أو كان مشغولًا بعمل آخر.
تحمل سورة الكهف في طياتها كنوزًا من الحكم والعبر التي تتناسب مع فضل يوم الجمعة وأهميته. فالسورة تتضمن أربع قصص رئيسية تحمل رسائل عظيمة للمؤمن:
قصة أصحاب الكهف: تجسد قوة الإيمان والثبات عليه في وجه الفتن والاضطهاد، واللجوء إلى الله والتوكل عليه. وهي تذكير بأن العاقبة للمؤمنين الصادقين.
قصة صاحب الجنتين: تحذر من الاغترار بالمال والجاه ونسيان شكر الله، وتبين أن الزوال مصير كل ما هو دنيوي، وأن الباقيات الصالحات خير وأبقى.
قصة موسى والخضر: تعلمنا أدب طلب العلم والتواضع للمعلم، وأن علم الله واسع وأن حكمته قد تخفى علينا في بعض الأحيان، وأن الظاهر قد يختلف عن الباطن.
قصة ذي القرنين: تظهر أهمية العدل والإحسان واستخدام القوة في نصرة الحق ودفع الظلم، والتواضع لله عند تحقيق النصر والتمكين.
هذه القصص وغيرها من الآيات في السورة تحمل في طياتها دروسًا وعبرًا عظيمة تقوي إيمان المسلم وتزوده بالبصيرة لمواجهة فتن الحياة المختلفة، وتجعله أكثر تمسكًا بدينه وثباتًا على الحق في يوم هو خير الأيام.
لا يقتصر فضل سورة الكهف على مجرد تلاوة ألفاظها، بل يستحب للمسلم أن يتدبر معانيها ويتفكر في قصصها وعبرها، ليخرج منها بالدروس والتوجيهات التي تنير له حياته وتقربه من ربه. فالتدبر هو مفتاح الفهم والتأثر بالقرآن الكريم.
إن فضل سورة الكهف يوم الجمعة من الفضائل العظيمة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها ولا يفرط فيها. فقراءة هذه السورة في هذا اليوم المبارك نور وهداية ومغفرة وعصمة من الفتن. فلنجعلها سنة دائمة في حياتنا، ونستضيء بنورها ونتدبر في معانيها، سائلين الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته.
