تُعدّ سورة آل عمران من السور المدنية العظيمة في القرآن الكريم، وتكتسب أهمية خاصة لتناولها جوانب متعددة من العقيدة والشريعة، ولتركيزها على قصص الأنبياء والصالحين. تحتل قصة آل عمران مكانة بارزة ضمن السورة، لما فيها من دروس وعبر حول الإيمان، والتوكل على الله، والعناية الإلهية. ويبرز في هذه القصة دور امرأة عمران الذي يُلقي الضوء على نماذج نسائية عظيمة في تاريخ البشرية، والتي نالت شرف الاصطفاء والاصطفاء لذريتها الطاهرة.
امرأة عمران هي والدة السيدة مريم العذراء، جدة نبي الله عيسى عليه السلام. لم يذكر القرآن الكريم اسمها صراحة، لكن كتب التفسير والسيرة تذكر أن اسمها حنة بنت فاقوذ أو حنّة بنت فاقوذ. كانت امرأة صالحة، عابدة، ومن سلالة الأنبياء، حيث كانت أخت زوجة نبي الله زكريا عليه السلام (إليصابات).
تُروى قصتها في القرآن الكريم في سورة آل عمران، حيث تظهر كمثال عظيم للتوكل على الله والإيمان الصادق. كانت امرأة عمران عاقراً، وقد تقدمت في العمر ولم تنجب. ومع ذلك، لم تفقد الأمل في رحمة الله وقدرته. فقد كانت تتوق إلى الإنجاب وترغب في أن تهب وليدها لخدمة بيت المقدس وتكريسه للعبادة.
في آيات سورة آل عمران، يصف القرآن الكريم دعاءها الخاشع لله تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [آل عمران: 35]. هذا الدعاء يكشف عن إيمانها العميق ورغبتها الصادقة في التقرب إلى الله وخدمة دينه. وقد استجاب الله لدعائها ورزقها بمريم عليها السلام، والتي كانت نِعم العوض ونِعم الهدية من الله.
ولما وضعتها، قالت: ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [آل عمران: 36]. يُظهر هذا القول بعضاً من الحيرة البشرية الطبيعية، حيث كانت تتوقع ذكراً لكي يتفرغ لخدمة المعبد، ولكن الله سبحانه وتعالى قدّر لمريم عليها السلام شأناً عظيماً يفوق ما كانت تتوقعه أمها. وفي هذا الموقف، تظهر امرأة عمران مثالاً آخر على التسليم لقضاء الله وقدره، حيث إنها فوراً تدعو لمريم بالتحصين من الشيطان الرجيم، وهذا دليل على حرصها على صلاح ذريتها وتقواها.
لقد كانت امرأة عمران نموذجاً للمرأة الصالحة التي تربي أبناءها على التقوى والصلاح، وقد انعكس ذلك في شخصية ابنتها مريم عليها السلام، التي كانت آية من آيات الله في العفة والطهر والتقوى، والتي اصطفاها الله واصطفاها على نساء العالمين. وبذلك، فإن ذكر امرأة عمران في القرآن الكريم ليس مجرد قصة تاريخية، بل هو درس عظيم في الإيمان، والدعاء، والتسليم لقضاء الله، والتربية الصالحة.