سورة الزمر سورة الزمر .ويقال سورة الغرف . قال وهب بن منبه : من أحب أن يعرف قضاء الله - عز وجل - في خلقه فليقرأ سورة الغرف . وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد . وقال ابن عباس : إلا آيتين نزلتا بالمدينة إحداهما الله نزل أحسن الحديث والأخرى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآية . وقال آخرون : إلا سبع آيات من قوله تعالى : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم إلى آخر سبع آيات نزلت في وحشي وأصحابه على ما يأتي . روى الترمذي عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل . وهي خمس وسبعون آية . وقيل : اثنتان وسبعون آية .بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى : تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيمقوله تعالى : تنزيل الكتاب رفع بالابتداء وخبره من الله العزيز الحكيم . ويجوز أن يكون مرفوعا بمعنى هذا تنزيل ، قال الفراء . وأجاز الكسائي والفراء أيضا " تنزيل " بالنصب على أنه مفعول به . قال الكسائي : أي : اتبعوا واقرءوا " تنزيل الكتاب " . وقال الفراء : هو على الإغراء مثل قوله : كتاب الله عليكم أي الزموا . والكتاب القرآن . سمي بذلك لأنه مكتوب .
قوله تعالى : إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق أي هذا تنزيل الكتاب من الله وقد أنزلناه بالحق ، أي : بالصدق وليس بباطل وهزل .فاعبد الله مخلصا فيه مسألتان : الأولى : " مخلصا " نصب على الحال أي : موحدا لا تشرك به شيئا " له الدين " أي الطاعة . وقيل : العبادة ، وهو مفعول به .
ألا لله الدين الخالص أي الذي لا يشوبه شيء . وفي حديث الحسن عن أبي هريرة أن رجلا قال : يا رسول الله إني أتصدق بالشيء وأصنع الشيء أريد به وجه الله وثناء الناس . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفس محمد بيده لا يقبل الله شيئا شورك فيه ، ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا لله الدين الخالص وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " و [ النساء ] و [ الكهف ] مستوفى .الثانية : قال ابن العربي : هذه الآية دليل على وجوب النية في كل عمل ، وأعظمه الوضوء الذي هو شطر الإيمان ، خلافا لأبي حنيفة والوليد بن مسلم عن مالك اللذين يقولان إن الوضوء يكفي من غير نية ، وما كان ليكون من الإيمان شطرا ولا ليخرج الخطايا من بين الأظافر والشعر بغير نية .قوله تعالى : والذين اتخذوا من دونه أولياء يعني الأصنام ، والخبر محذوف . أي قالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى قال قتادة : كانوا إذا قيل لهم من ربكم وخالقكم ؟ ومن خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء ؟ قالوا : الله ، فيقال لهم : ما معنى عبادتكم الأصنام ؟ قالوا : ليقربونا إلى الله زلفى ، ويشفعوا لنا عنده . قال الكلبي : جواب هذا الكلام في الأحقاف فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة والزلفى القربة ، أي : ليقربونا إليه تقريبا ، فوضع زلفى في موضع المصدر . وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس ومجاهد " والذين اتخذوا من دونه أولياء قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " وفي حرف أبي ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدكم إلا لتقربونا إلى الله زلفى ) ذكره النحاس . قال : والحكاية في هذا بينة .إن الله يحكم بينهم أي بين أهل الأديان يوم القيامة فيجازي كلا بما يستحق . إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار أي من سبق له القضاء بالكفر لم يهتد ، أي : للدين الذي ارتضاه وهو دين الإسلام ، كما قال الله تعالى : ورضيت لكم الإسلام دينا وفي هذا رد على القدرية وغيرهم على ما تقدم .
قوله تعالى : لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء أي لو أراد أن يسمي أحدا من خلقه بهذا ما جعله - عز وجل - إليهم . سبحانه أي تنزيها له عن الولد هو الله الواحد القهار .
قوله تعالى : خلق السماوات والأرض بالحق أي هو القادر على الكمال المستغني عن الصاحبة والولد ، ومن كان هكذا فحقه أن يفرد بالعبادة لا أنه يشرك به . ونبه بهذا على أن يتعبد العباد بما شاء ، وقد فعل . قوله تعالى : يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل قال الضحاك : أي : يلقي هذا على هذا وهذا على هذا . وهذا على معنى التكوير في اللغة ، وهو طرح الشيء بعضه على بعض ، يقال كور المتاع أي : ألقى بعضه على بعض ، ومنه كور العمامة . وقد روي عن ابن عباس هذا في معنى الآية . قال : ما نقص من الليل دخل في النهار ، وما نقص من النهار دخل في الليل . وهو معنى قوله تعالى : يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وقيل : تكوير الليل على النهار تغشيته إياه حتى يذهب ضوءه ، ويغشي النهار على الليل فيذهب ظلمته ، وهذا قول قتادة . وهو معنى قوله تعالى : يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا .وسخر الشمس والقمر أي بالطلوع والغروب لمنافع العباد . كل يجري لأجل مسمى أي في فلكه إلى أن تنصرم الدنيا وهو يوم القيامة حين تنفطر السماء وتنتثر الكواكب . وقيل : الأجل المسمى هو الوقت الذي ينتهي فيه سير الشمس والقمر إلى المنازل المرتبة لغروبها وطلوعها . قال الكلبي : يسيران إلى أقصى منازلهما ، ثم يرجعان إلى أدنى منازلهما لا يجاوزانه . وقد تقدم بيان هذا في سورة [ يس ] .ألا هو العزيز الغفار " ألا " تنبيه أي : تنبهوا فإني أنا " العزيز " الغالب " الغفار " الساتر لذنوب خلقه برحمته .